المرأة في الثورات العربية

Posted on: مايو 9, 2015, by :

د. هتون أجواد الفاسي

المرأة في الثورات العربية د. هتون أجواد الفاسي ثورة بعد أخرى، اثنتان تنجحان في ظرف أسبوعين وثالثة تئن تحت تداعيات جنون العظمة ورابعة بانتظار أن “يفهم” هرم السلطة ولا ندري ماذا يلي ذلك مما يحمله عام 2011 من مفاجآت، لكن ما يميز هذه التحركات في الشارع العربي هو أن قيادتها فتية، وأن شباب العالم العربي هم من نجحوا في انتفاضاتهم ونظموا صفوفهم كاسرين الأفكار النمطية التي ما تفتأ تحاصرهم من مثيل أنهم شباب تافه جاهل منشغل عن عظائم الأمور بمتعه واهتماماته الشخصية، منجرف وراء الغرب وتقليعاته وفنونه، منسلخ من هويته وعقيدته وغير ذلك.فوجدناهم شباب حرّ كريم منظم واعٍ متقدم في طروحاته معتز بهويته مدرك لأبعاد الحق والعدل والعمل السياسي الحقيقي.

 والملاحظ أن الشباب يندر أن تجدهم يميزون ضد امرأة أو ضد عرق أو جنس أو دين أو طائفة، وعيهم بمساواة الجميع حاضرة في مبادراتهم وأفعالهم. وما دعاني لكتابة هذا المقال ما لاحظته من متابعة للأحداث في بحثي عن المرأة.

وبخلاف ما هو معتاد من أمثلة نمطية تستحضر مقولة نابليون بالبحث عن المرأة في حالة الخيانة أو الغدر فإن المرأة في حال الثورات العربية كانت الحاضرة الحاضرة، المبادرة الإيجابية المحرضة على الحق المحاورة المعاونة المحاربة للظلم الصانعة للثورة جنباً إلى جبن شقيقها الرجل وأحياناً قبله أيضاً بكل أشكال هوياتها.

بهرتني تجربة المرأة التونسية، المصرية واليمنية على وجه الخصوص، وأعتقد أن هناك الكثير لنعرفه عن المرأة الليبية في القادم من الأيام. لن أتطرق إلى النساء المرتبطات بأسباب الثورة كالسيدات الأول من ليلى طرابلسي أو سوزان مبارك، فليس هذا ما يعنيني، وإنما ما يعنيني هو دور المرأة بمراحل عمرها المختلفة في الدفع بالثورة إلى الأمام. مثالي هنا أم الشهيد محمد البوعزيزي وأم الشهيد خالد سعيد وأمهات بقية الشهداء والشهيدات اللاتي لم يختلفن عن الخنساء في احتساب من قدمن من أبناء فداء للوطن والحرية وشهداء عند الخالق، أو في استعدادهن لتقديم المزيد من التضحيات لأجل إسقاط الظلم عن كل الناس. أو الشابات المؤمنات بحق المواطنات في وطنهن، والمبادرات بتحدي الأنظمة المتعسفة من خلال تحويل القول إلى فعل.

 تجربة أسماء محفوظ الشجاعة، العضوة البارزة في حركة 6 أبريل منذ 2008،  بتوجيه خطاب للشباب عبر اليوتيوب والإعلان عن قرارها بالنزول إلى الشارع في 25 يناير ولو بمفردها وكيف ذلك دفع بالشباب إلى اللحاق بها خوفاً من أن يوصموا بالجبن، وكيف سرت عدوى الشجاعة إلى عشرات ومئات ومن ثم آلاف الشباب والشابات الذين انضموا إلى أسماء في ميدان التحرير. ثم تصديها لأحد الوزراء أمام الإعلام والجمهور ومساءلته “بتضربونا ليه؟” والجميل أنها كانت برفقة كاميرا فيديو خاصة تغطي الحدث لترفعه على اليوتيوب مباشرة، موقفها أمام استبداد الأمن على كوبري قصر النيل وحربهم على الشعب وعدم استسلامها وغير ذلك من المواقف الشجاعة التي تكررت خلال أيام الاعتصام وتصديها لجحافل قوات الأمن المهددة دون أن تتراجع رافعة من سقف الشجاعة إلى حد لم يكن بوسع أشقائها الرجال من النزول عنه.

 كانت مشاركات النساء في الثورات العربية لا تحمل صورة واحدة ولا هوية واحدة، كانت هناك المرأة المنقبة، المحجبة، السافرة، الجدة، الأم، الطالبة، الطفلة، المسلمة، المسيحية، الغنية والفقيرة. وحّد بينهن الهدف السامي دون أن تحوي المطالب مطالبات حقوقية نسائية منفصلة، فالحرية والعدالة والكرامة في وطن واحد لا يفرق فيه بين شخص وآخر بناء على أي فرق نوعي أو جنسي أو عرقي أو ديني كان هو الهدف الحاضر. وقد امتلأت صفحات الانترنت والفيسبوك والصحافة والتلفاز بصور نساء في أدوار مختلفة تؤكد على الحالة الإنسانية في التعامل بين الجنسين لأجل الدفاع عن المكتسبات الوطنية والتضحية في سبيلها كذلك بالروح كذلك. تتعدد الأسماء والصور والمواقف التي وقفتها المرأة العربية في هذه الثورات وهي تهتف والجموع تردد وراءها كما في حال توكل كرمان، الناشطة اليمنية رئيسة منظمة صحفيات بلا قيود، التي سبق أن اعتقلها الرئيس اليمني، التي تقود الجماهير وتخطب في مئات الآلاف وهم يرددون هتافاتها. دفعت النساء دماءها وأرواحها كذلك في هذه الثورات، والحاضرة في الصورة المصرية الناشطة سالي زهران التي رماها أحد البلطجية بحجر في رأسها.

 وتبقى مسألة المشاركة التامة للمرأة في الثورات العربية في كل مراحل الثورة قبل وأثناء مجالاً للكثير من التحليل والتأمل لما تطرحه هذه الصورة الجديدة للمرأة في ظل صور نمطية من التبعة والتمييز والمصادرة والتحرش على حساب إنسانية المرأة. وهذه الصورة الجديدة بحاجة لمتابعة بعد انتهاء الثورات واكتمال هيئتها في دول حديثة ديمقراطية كريمة حتى لا تغيب وراء النمط السابق ويعود كل شيء لسابق عهده كما يلاحظ في الثورات في التاريخ في الغرب والشرق وليست إيران وثورتها ببعيدة عندما سحبت مكتسبات النساء بعد نجاح الثورة منهن.

 الصورة تدعو للتفاؤل ولكنها بحاجة إلى أن نذكّر المرأة والناشطات والمنظمات النسائية والنسوية بألا يقبلن بأي تنازلات على حساب مشاركتهن التامة في انتصارات الثورة، وألا يرضين بالصفوف الخلفية أو بالمواقع الصورية الرمزية، وأن يكن حريصات على أنه لأن تؤتي الثورة على الظلم أكلها فذلك لصالح كرامة وحرية وإنسانية المرأة كما لصالح كرامة وحرية وإنسانية الرجل.

د هتون اجواد الفاسي استاذة مساعدة تاريخ المرأة بجامعة الملك سعود في رياض